منتدى أبو عرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى أبو عرب


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 العاشق الأخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
pamo
عضو جديد
عضو جديد
pamo


عدد الرسائل : 22
العمر : 36
تاريخ التسجيل : 18/05/2008

العاشق الأخير Empty
مُساهمةموضوع: العاشق الأخير   العاشق الأخير I_icon_minitimeالسبت يوليو 12, 2008 1:27 pm

حروف هذه القصة مبللة بالدموع ، وكلماتها تصرخ بألم خارق ووجد حارق ورموز صوفية ، نسيج القصة كثيف الغموض مفعم بالأسرار ..والواضح أن مؤلفها كتبها لقارئة واحدة فهناك تواريخ معينة وأحداث مبهمة لا يفهم دلالتها سوى أبطال القصة الحقيقيين ..تدور معظم الأحداث في سبتمبر ، بين الخريف والشتاء تقع أسطورة العاشق الأخير ..بملامحه المرهفة وعمره الثلاثيني وقع أحمد بهجت في الحب ..
اسمها نور ، اجتمعا في البداية حول قصيدة من الشعر استمع إليها ولم يكن يفهم كل كلمة على حدة ، وإنما أحس بمذاق ما تقوله كله ، وصعد حزن هادئ ورفيق إلى قلبه ..أحزنه أن هدهد سليمان مات ، وأحزنه أن النملة التي كلمته ماتت ، وأحزنه أن سليمان نفسه مات ، لم يفهم ساعتها لماذا تموت الأشياء الجميلة ولماذا نتعلق بشيء يمكن أن يذهب ويموت ؟ .
في بداية لقاءه بها ، على نهاية طريق الصداقة ومشارف أفق الحب ، لم تكن نور تمثل له غير نوع محير من البشر ، ثمة قارة جديدة لم تكتشف بعد ، وفي الصدر آمال رجل يفكر في لغة كونية للاتصال بهذا المخلوق الرقيق الحالم ..
كانا متجاورين في الطين ، قطعة الصلصال التي خلق منها كانت جوار قطعة الصلصال التي خلقت منها .. وأحس أنه ولدها في عصر من عصور التناسخ القديمة ، كان أباها قبل ميلاد المسيح ، وكان ابنها في العصر الفاطمي ثم صادفها كحبيبة في القرن العشرين ..تذكر يوم بكت أمامه وهي ترتدي ثياب الحداد السوداء ، بدت يومها مثل دمعة تنحدر من عين نبي وتضم ملح الصدق الذي لم يعد له وجود .
قالت يومها :
- إنني معلقة في الكون بطرف إصبعي ، أنت صلتي الوحيدة بالعالم ، لو فكرت في هجري وتركتني فسوف أسقط من شاهق ، أين أذهب بعدك ؟ أين أذهب ؟
ها أنت وجدت أين تذهبين بعدي ..أحس بمثل أحزان يونس حينما وجد نفسه في بطن الحوت ، والحوت يجري في جوف البحر ، والبحر يجري في جوف الليل ، ثلاث ظلمات بعضها فوق بعض .
كان يونس صائما في جوف الحوت ، وكان حبي لها صوما مستمرا وأحزانا عميقة تلد ملايين الأفراح العميقة ..بعدك يا حبي تعلمت الصوم ، بعد رحيلك تعلمت اللا مبالاة ، وحين ذهبت تماما تجرعت اليتم ، صرت الصائم اليتيم والجمعة اليتيمة والإسلام المهجور .
..............
في لقائهما الثالث راح يتأمل كعب قدمها كرسام قرر أن يرسمها ..لن يستخدم الألوان الجاهزة وإنما سيقوم بتحضير الألوان عاما كاملا قبل أن يبدأ الرسم ..ينبغي أن يدق الزنك ليحصل منه على اللون الأبيض ، ويصطاد غزال ليكون دمه اللون الأحمر .. سيحتاج أيضا إلى لون أزرق ليرسم به العروق التي تشف تحت جلدها النضر ، هذا اللون الأزرق الذي استخدمه قدماء المصريين ولا يعرف سر تركيبه أحد . هو لون غريب يشبه ثوبا ترتديه السماء خمس دقائق ، بعد النور وقبل الظلمة مباشرة .
نظرت في وجهه ، وتعقبت اتجاه نظراته فأحست بالحرج وأخفت كعبها . قال لها :
- استدارة قدمك من الناحية التشكيلية يشبهان كعب طفل ولد منذ ساعات
حدثت نفسها : - لهذا الحد يراني رقيقة !
قالت له بعد لحظة صمت مفعم : - لم يقل لي أحد في الدنيا ما تقوله لي ..أين أذهب بعدك ؟
أكانت تنظر في الأفق المشئوم وتتنبأ بعكس ما سيحدث ؟ ، يا رب أنا لا أدري حكمتك ولا افهم السر الذي يختفي وراء تدبيرك ، ولهذا لا أعرف لماذا ولأي سبب رحلت ..لقد أشتقت إليها كثيرا يا رب ولست أعرف أحدا أتوجه إليه غيرك ..كيف تستجيب يا رب الناس ؟
....................
نور ..انتظري قليلا قبل ذهابك .
انتظري خمس دقائق ..كنت تقولين لي : لن أكون لغيرك مهما حدث ، ليس المهم هو المكان أو الطعام . المهم هو الشخص هو الرفقة . أنت المهم .
قبل أن تختفي سألتني يوما : أريد منك قميصا ولكن لا تغسله من فضلك ..أريد رائحتك فيه .
قلت : لست أفهم .
قالت : أريد أحد قمصانك أضع عليه رأسي فكأنني أبكي على صدرك ..
ساعتها لم أكن أفهم ، لم أكن أعلم أنها سترحل ..رأيتها تلف القميص وتضعه في حقيبتها ..القميص الذي كنت ارتديه حين رأيتها أول مرة ..ولم تعطني من ثيابها شيئا ، لم نتبادل الثياب ولكن أنا الذي أعطى فقط ..نفسي هي التي ذهبت إليها ولم تقدم إلى نفسها في المقابل ..لم نكن أثنين في حقيقة الأمر ، كنا واحدا هو " هي " . ولم يكن هناك غيرها ..كان القميص قديما وقد تهيأ أحد أزراره للوقوع وأشهد أنه لو كانت لي ساعتها أردية السماء بزينتها وألوانها لبسطتها تحت قدميها ، على فقري المدقع لم أكن أملك غير أحلامي وقد بسطت أحلامي تحت قدميها كي تسير عليها ، ولم أقل لها أنها أحلامي كي تسير فوقها على راحتها .
.....................................
وأحدق في عينيها الواسعتين الحزينتين ، وجبهتها الفضية النبيلة .. معها لم يكن هناك زمن ..كان لنا زمننا الخاص الذي نلتقي فيه حين نشاء ولو بقى كل منا في مكانه لا يبرحه ..كان يكفي أن أنظر إليها ليرتعش في داخلي شيء ويموت الموت ، تبعث أصوات داوود وهو يقرأ مزاميره فتحيط به الطير وتأنس إليه الوحوش وتسبح معه الحبال ..
والتقيا يوما في البكاء ، كان يوما من أيام الجمعة اليتيمة ، توضأ معا واحضرا القرآن ، واقسما عليه ألا يخون أحدهما الآخر وأن يغفر أحداهما للآخر ، والتصق رأساهما وبكيا ما شاء الله أن يبكيا ، بعدها أختفت تماما .
لم يعرف أين ذهبت .
قبل أنها ماتت ، وقيل أنها سافرت ، وقيل أنها لم تكن موجودة قط ، وقيل أنها وهم ، وقيل أنها حقيقة وسوف تعود .
صار الصائم اليتيم بعدها ، ولم يزل ينتظرها ، ولم يزل يسأل كلما وصل إلى عمله : ألم تصل رسالة ؟
ويسألونه : أي رسالة ؟
ولا يعرف بماذا يرد ..ولا يعرف ساعتها كيف يتسع قلب في حجم قبضة اليد لأحزان في رحابة الأفق ..ويفكر أنها يمكن أن تجوع في غربتها أو تتألم أو يلتوي قدمها وهي تصعد السلم أو يصيبها البرد والسعال أو تمرض وتموت .
لو كان يدري فحسب أين هي ؟ ، بأي مكان نزلت ، وبأي أرض دقت أعلمها ، لو كان يعرف فقط أين يستطيع أن يبعت إليها بحبه وحنين روحه أو يبثها أشواقه َ!.
هل مرضت قبل أن ترحل ؟ لا يعرف .
هذا كذب ، كل ما يحكونه كذب ..أنتم تكذبون جميعا ، أنتم جميعا تكذبون
.........
ذهبت إلى شيخي الصوفي اسأله العون ، قلت له : - ذهبت يا سيدي
قال : بم تحس ؟
قلت : أحن إليها يا سيدي ، وأسأل بالشوق عنها وأبكيها وتشتاق نفسي إليها .
قال الشيخ : أنت مريض ودواؤك أن تعود إلى الله .
قلت للشيخ : الشمس داخلي يا مولاي والشمس كرة ملتهبة في حالة انفجار نووي ، تصور هذا كله داخلك يا سيدي ، وتصور أن في الداخل أيضا ثلج البعد ، إنني أتمزق يا سيدي .
قرأ علي الشيخ وهو يبتسم قوله تعالى : " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ، أتصبرون ؟ "
قلت لمولاي مجاملا ومنهارا في الوقت نفسه : أصبر إن شاء الله .
.........
زارني الشيخ في المنام وألقي لي بكتاب من نور .
كانت تقول لي : "لأن الله لم يزل يحبك ، ولأنك تبكي دون أن تعرف السبب في بكائك ، وتخفي عن الناس أنك تبكي ، ثم تخفي عن نفسك أنك تبكي ، حتى لتبكي بعد ذلك دون أن تدري أنك تبكي .. ولأنك تعودت الحب ، وتخاف خيانة المحبين ، لم يبق لك إلا أن تبدأ رحلتك لنوع جديد من الحب لا احتمال فيه لخيانة الغروب ، هل تجد غير الله ؟ ، لماذا لا تبدأ رحلتك إليه ؟ . تتعذب اليوم بسببي وتكرهني قليلا ، وغدا تشكرني أن قدتك إلى الله ".
لست أعرف هل بكيت وأنا نائم أم خيل إلي أنني بكيت ؟ لماذا هجرتني ؟ ولماذا يشيع النقص في الحياة ؟ كانت خطيئتي أنني معتم من الداخل ..لو كنت مضيئا ونقيا لاستطعت أن أتكلم مع القطط وأكلم النمل وأدردش مع الحمار ..قد تكون رحلتك إلى الله أن ترى قطة تلد ..أو كتكوتا يخرج من البيضة أو حبيبة تهجرك ..أفترض أنها كانت تحبك ، كان فعل ماض ذهب لحال سبيله ..لا تبك بهذه الحرقة أيها الآدمي الأحمق ، ألا تعرف أن الله يحبك أكثر مما تحب نفسك ولهذا يوجهك إليه ؟.
جرب أن تذهب إلى الله وتطلب منه نور ، ستقول له : يا رب ، أريد أن أعيش معها وأريد أن أغسلها بالعطر وأجففها بالنور . وأريد أن أدللها وأفسدها وأكرر صورتها في آلاف الأطفال وأهب كل بقعة من الأرض طفلا ، وأريد أن أموت وهي جواري .
قال شيخي الصوفي :
- في اللحظة التي يحب العاشق غير الله ، ويهب قلبه لغير الله يضيع منه ما صرف جهده إليه ، وينقلب عليه من ترك الله بسببه ..أخفي الله هذا القانون عن العشاق ، لو كنت تحب الله وحده لصارت نور أطوع لك من قميصك .
قلت : - أريدها يا سيدي
- لا تقل أريد مع إرادة الله . من الذي خلقها ؟
- الله .
- من الذي وضعها في طريقك
- الله
- من ألهمك أن تقول كلمة أثارت اهتمامها بك ؟
- الله
- من خلق رائحتها ولون عينيها ومذاق روحها ؟
- الله
- من الذي أخذها منك بعد أن أعطاها لك ؟
- الله
- ماذا وجدت بعد أن فقدتها ؟
- وجدت الله
- لم تفقد شيئا أيها المخلوق ..لا تحزن لأن الله لم يعطك ما سألته لكن حاول أن تفهم . لم تكن في الطريق إليه بل كنت في الطريق إليها . الذين يسيرون إلى الله لا يسألونه شيئا بل يتأملون بالدهشة تلك المشاعر التي تولد داخلهم . لو أحببته حقا لخجلت أن تسأله . أنت سعيد بوجودك بين يديه ..لقد تداعت المسافات وقارب طرف المجرة البعيد طرفها القريب ..وسجدت النجوم فرأيتها تسجد ، وسجدت الأشجار فسجدت قبلها .
انتهى الأمر ، أنت الآن في مقام المحبين ، تصعد من مقام الحب إلى الشوق ، ومن مقام الشوق إلى الولاية ، ومن الولاية إلى القرب ..في اللحظة التي تكتشف أنك تحب الله حقا يدين لك كل شيء بالخضوع ، ويقال لك : إليك نور التي أوجعت قلبك ، فتقول على الفور : يا رب لا أريد غير حبك .
......................
سألني الشيخ : ما هو الحب ؟
قلت : - إقامة العتاب على النفس .
قال : خطأ ، حقيقة الحب أن تهب نفسك كلها لمن تحب ، فلا يتبقى لك شيء تقيم عليه العتاب .
اخرج ألان ..
وأشار الشيخ لي فخرجت .



منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العاشق الأخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى أبو عرب :: المواضيع و الجد :: منتدى القصص و الروايات-
انتقل الى: